دخل السجن ، فجلس في زاوية من زواياه مهموماً ،
يُقلّب كفيه ويكلم نفسه ، فأقبل عليه شيخ عليه سيماء العقلاء ،
فقال : عجباً!همٌ ودنيا إلى زوال ؟.
قال السجين : يا شيخ ،لا صديق صادق ولا صاحب صالح ولا ولي ناصح ؟ .
قال الشيخ : ربما سوء الاختيار لا قلة الأخيار !.
قال وهل ملأت كفك يا شيخ ؟.
قال : بلى ، صديق ناصح يغنيك عن كل صاحب.
قال : صفه لي قبل ذلك ، كيلا أقع بما لا يصلحه الندم؟.
قال الشيخ : صاحب لا يفارق من صحبه، ولا يسأم من طول صحبته،
يقدم مصلحتك على مصلحته . لا يفضل عليك أحد، وإن طال بكما الأمد .
لا يبتدئك الكلام حتى تسأل ، وإن أسكته سكت ولم يجادل ،
وإن انشغلت عنه لم ينشغل عنك .
ان طلبت منه شيئاً أعطاك ،
ولا يطلب منك شيئاً لنفسه ،
ولا يطمع منك بشيء لا في الدنيا ولا في الأخرى .
لا ينزعج منك مهما أزعجته بل وإن ظلمته وأهنته ،
لا يتغير عنك بحال ،
ولا يبدِلُ لك المقال ،
دائماً صادقاً ناصحاً صالحاً .
إن استنصحته نصحك ،
وان استشرته أشار بما يصلحك .
وإذا نزل بك البلاء فهو أول من يرفع أكفه نحو السماء،
وإن رآك حملتَ نفسك على الهَلَكَة نبهك وحذرك، وبين لك مُنقَذَكَ ومخرجك .
إن طلبت العلم وجدته عالما بكل ما تريد ،
أو طلبت النفع وجدته فياض بكل ما يفيد .
يحسن إليك وإن أسأت إليه .
لا يهجرك وان هجرته ،
ولا يبغضك وان بغضته .
لا يحسدك في عطاء ولا يشمت بك في بلاء .
يحرسك ليلا ويصحبك نهارا .
إن طلبته في أي ساعة من ليل أو نهار وجدته مستبشرا منشرحاً.
إذا رآك مخطئاً لا يجاريك ،
وإن رآك محقاً لا يماريك ،
ولا تأخذه في الحق لومة لائم .
إن صدقت معه حال بينك وبين ما تخشى ،
وأبعدك عن أيادي العِدا.
لا يخلف ما وعد ولا ينقض ما عهد .
وهذا قليل ، وكثيره كثير.
فقال السجين :لله درّك يا شيخ ،
دلني عليه فقد شوقتني إليه ؟.
قال الشيخ :هو القرآن الكريم انيس المؤمنين هنيا لمن يقرا القران بقلب خاشع ونفس نقية من الكره والحسد